فصل: ذكر فتوح عدة حصون ومدن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر فتوح المرقب

وفي هذه السنة سار السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون بعد وصوله إلى دمشق بالعساكر المصرية والشامية ونازل حصن المرقب في أوائل ربيـع الـأول مـن هـذه السنـة وهـو حصـن للاستبـار فـي غايـة العلـو والحصانـة لـم يطمـع أحـد مـن الملـوك الماضيـن فـي فتحـه‏.‏

فلمـا زحف العسكر عليه أخذ الحجارون فيه النقوب ونصبت عليه عدة مجانيق كباراً وصغاراً‏.‏

يقول العبد الفقير مؤلف هذا المختصر‏:‏ إنني حضرت حصار الحصن المذكور وعمري إذ ذاك نحو اثنتي عشرة سنة وهو أول قتال رأيته وكنت مع والدي‏.‏

ولما تمكنت النقوب من أسوار القلعة طلب أهله الأمان فأجابهم السلطان رغبة في إبقاء عمارتـه فإنـه لـو أخـذه بالسيـف وهدمـه كـان حصـل التعب في إعادة عمارته‏.‏

فأعطى أهله الأمان على أن يتوجهوا بما يقدرون على حمله غير السلاح وصعدت السناجق السلطانية على حصن المرقب المذكور وتسلمه في الساعة الثامنة من نهار الجمعة تاسع عشر ربيع الأول عن هذه السنة أعني سنة أربع وثمانين وستمائة‏.‏

وكـان يومـاً مشهـوداً أخـذ فيـه الثـأر مـن بيـت الاستبـار ومحيـت آيـة الليـل بآيـة النهار فأمر السلطان فحمل أهل المرقب إلى مأمنهم ولما ملكه قرر أمره ورحل عنه إلى الوطاة بالساحل وأقـام بمـروج بالقرب من موضع يقال له برج القرفيص ثم سار السلطان ونزل تحت حصن الأكراد ثم سار ونزل على بحيرة حمص وفي بحيرة قدس‏.‏

ذكر مولد مولانا السلطان الأعظم مولد الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي‏:‏ وفي هذه السنة ولد مولانا السلطان الأعظم المذكور من زوجة السلطان وهي بنت سكتاي بن قراجين بن جنعان‏.‏

وسكتاي المذكور ورد إلى الديار المصرية هو وأخوه قرمشي سنـة خمس وسبعين وستمائة صحبة بيجار الرومـي فـي الدولـة الظاهريـة فتـزوج السلطـان الملـك المنصور قلاوون ابنة سكتاي المذكور في سنة ثمانين وستمائة بعد موت أبيها المذكور بولاية عمها قرمشي ووردت البشائر بمولده إلى السلطان وهو نازل على بحيرة حمص عند عوده من فتح المرقب فتضاعف سروره وضربت البشائر فرحاً بمولده السعيد‏.‏

وفيها عاد السلطان إلى الديار المصرية وأعطى الملك المظفر عند رحيله عن حمص الدستور فعاد إلى حماة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وثمانين وستمائة

فيها أرسل السلطان عسكراً كثيفاً مع نائب سلطنته حسام الدين طرنطلي المنصوري وأمره بمنازلة الكرك فسار إليها وحاصرها وتسلمها بالأمـان وأقـام بهـا نـواب السلطـان وعـاد وصحبتـه أصحـاب الكـرك جمـال الديـن خضـر وبـدر الديـن سلامش ولدا الملك الظاهر بيبرس فأحسن السلطان إليهما ووفى لهما بأمانه وبقيا على ذلك مدة طويلة ثم بلغه عنهما مـا كرهـه فاعتقلهمـا فبقيـا فـي الحبـس حتـى توفـي فنقـل خضـر وسلامش ولدا الملك الظاهر بيبرس إلى القسطنطينية‏.‏

وفيها خرج السلطان من الديار المصرية إلى غزة ثم سار إلى الكرك فوصل إليها في شعبان وقرر أمورها ثم عاد إلى جهة غابة أرسوف وأقام مدة ثم عاد إلى الديار المصرية‏.‏

وفيها توفي ركن الدين أباجي الحاجب‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثمانين وستمائة

كان السلطان قد جهز عسكراً كثيفاً مح نائب سلطنته حسام الدين طرنطاي بمن معـه مـن العساكر المصرية والشامية في هذه السنة إلى قلعة صهيـون ونصـب عليهـا المجانيـق وضايقهـا بالحصار فأجابه صاحبها الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى تسليمها بالأمـان وحلـف لـه حسام الدين طرنطاي وأكرم سنقر الأشقر المذكور غاية الإكرام‏.‏

ثم سار حسام الدين طرنطاي إلى اللاذقية وكان بها برج للفرنج يحيط به البحر من جميع جهاته فركب طريقاً إليه في البحر بالحجارة وحاصر البرج المذكور وتسلمه بالأمان وهدمه ثم بعد ذلك توجه إلى الديار المصرية وصحبته سنقر الأشقر فلما وصلا إلى قرب قلعة الجبل ركـب السلطـان الملـك المنصـور قلـاوون والتقـى مملوكـه حسـام الديـن طرنطـاي وسنقـر الأشقـر وأكرمه ووفى له بالأمان وبقي سنقر مكرماً محترماً مع السلطان إلى أن توفي السلطان وملك بعده ولده الملك الأشرف فكان من أمره ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيهـا نزل تدان منكو بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكزخان عن مملكة التتر بالبلاد الشمالية وأظهر التزهد والانقطـاع إلـى الصلحـاء وأشـار إلـى أن يملكـوا ابـن أخيـه تلابغـا بـن منكوتمر بن طغان المذكور فملك بعده تلابغا ابن المذكور‏.‏

وفيهـا أرسـل السلطـان الملـك المنصـور عسكـراً مـع علم الدين سنجر المسروري المعروف وفيها توفي بدر الدين تتليك الأيدمري‏.‏

  ثم دخلت سنة سبـع وثمانيـن وستمائـة

فيهـا توفـي الملـك الصالـح عـلاء الديـن علـي ابـن السلطـان الملك المنصور سيف الدين قلاوون وهو الذي جعله ولي عهده وسلطنه في حياته فوجـد عليـه السلطان والده وجداً عظيماً وكان مرضه بالدوسنطريـا وخلـف الملـك الصالـح المذكـور ولـداً اسمه موسى بن علي‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وستمائة

ذكر فتوح طرابلس في هذه السنة في أول ربيع الآخر فتحت طرابلس الشام‏.‏

وصورة ما جرى‏:‏ أن السلطان الملك المنصور خرج بالعساكر المصرية في المحرم من هذه السنة وصار إلى الشام ثم سـار بالعساكر المصرية والشامية ونازل مدينة طرابلس الشام يوم الجمعة مستهل ربيع الأول من هذه السنة ويحيط البحر بغالب هذه المدينة وليس عليها قتال في البر إلا من جهة الشرق وهو مقدار قليل‏.‏

ولما نازلها السلطان نصب عليها عدة كثيـرة مـن المجانيـق الكبـار والصغـار ولازمهـا بالحصـار واشتد عليها القتال حتى فتحها يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر من هذه السنة بالسيف ودخلها العسكر عنوة فهرب أهلها إلى الميناء فنجى أقلهم في المراكب وقتل غالب رجالها وسبيت ذراريهم وغنم منهم المسلمون غنيمة عظيمة‏.‏

وحصار طرابلس هو أيضاً مما شاهدته وكنت حاضراً فيه مع والدي الملك الأفضل وابن عمي الملك المظفر صاحب حماة ولما فرغ المسلمون مـن قتـل أهـل طرابلـس ونهبهم أمر السلطان فهدمت ودكت إلى الأرض وكان في البحر قريباً من طرابلس جزيرة وفيها كنيسة تسمى كنيسة سنطماس وبينها وبين طرابلس الميناء فلما أخذت طرابلس هرب إلى الجزيرة المذكورة وإلى الكنيسة التي فيها عالم عظيم من الفرنج والنساء فاقتحم العسكر الإسلامي البحر وعبروا بخيولهم ساحة إلى الجزيرة المذكورة فقتلوا جميع من فيها من الرجال وغنموا ما بها من النساء والصغار وهذه الجزيرة بعد فراغ الناس من النهب عبـرت إليها في مركب فوجدتها ملأى من القتلى بحيث لا يستطيع الإنسان الوقوف فيها من نتن القتلى‏.‏

ولما فرغ السلطان من فتح طرابلس وهدمها عاد إلى الديار المصرية وأعطى صاحب حماة الدستور فعاد إلى بلده وكان الفرنج قد استولوا على طرابلس في سنة ثلاث وخمسمائة في حادي عشر ذي الحجة فبقيت بأيديهم إلى أوائل هذه السنة أعني سنة ثمان وثمانين وستمائة وفيهـا‏:‏ مات قتلاي خان بن طلو بن جنكز خان ملك التتر بالصين وهو أعظم الخانات والحاكم على كرسي مملكة جنكزخان وكان قد طالت مدته ولما مات قتلاي خان جلس بعده ولده شهون‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثمانين وستمائة

ذكر وفاة السلطان الملك المنصور قلاوون سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي في هذه السنة في سادس ذي القعدة توفي الملك المنصور المذكور وصورة وفاته أنه خرج من الديار المصرية بالعساكر المتوافرة على عزم غزو عكا وفتحها وبرز إلى مسجد التيرز فابتدأ مرضه في العشر الأخير من شوال بعد نزوله بالدهليز في المكان المذكور وأخذ مرضه يتزايد حتى توفي يوم السبت سادس ذي القعدة بالدهليز وكان جلوسه في الملك يوم الأحد الثاني والعشرين من رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة فيكون مدة ملكه نحو إحدى عشر سنـة وثلاثة أشهر وأياماً وخلف ولدين هما الملك الأشرف صلاح الدين خليل والسلطـان الأعظـم الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد وكان السلطان الملك المنصور المشار إليه ملكاً مهيباً حليماً قليل سفك الدماء كثير العفو شجاعاً‏.‏

  فتح الفتوحات الجليلة

مثل‏:‏ المرقب وطرابلس التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على التعرض إليهما لحصانتهما وكسر جيـش التتـر علـى حمـص وكانـوا فـي جمـع عظيـم لـم يطرق الشام قبله مثله ولا يحتمل هذا المختصر ذكر فضائله رحمه الله تعالى ورضي عنه‏.‏

ذكر سلطنة والده الملك الأشرف ولمـا توفي السلطان وجلس في الملك بعده ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن السلطان الملك المنصور قلاوون المذكور وكان جلوسه في سابع ذي القعدة من هذه السنة صبيحة اليوم الذي توفي فيه والده ولما استقر السلطان الملك الأشرف في المملكة قبض على حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة في يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة فكان آخر العهد به وفوض نيابة السلطنة إلى بدر الدين بيدرا والوزارة إلى شمس الدين محمد بن السلعوس‏.‏

  ثم دخلت سنة تسعين وستمائة

  ذكر فتوح عكا

في هذه السنة في جمادى الآخـرة فتحـت عكـا وسبـب ذلـك أن السلطـان الملـك الأشـرف سار بالعساكر المصرية إلى عكا وأرسل إلى العساكر الشامية وأمرهم بالحضور وأن يحضروا صحبتهم المجانيق فتوجه الملك المظفر صاحب حماة وعمه الملك الأفضل وسائر عسكر حماة صحبته إلى حصن الأكراد وتسلمنا منه منجنيقاً عظيماً يسمى المنصوري حمل مائة عجلـة ففرقت في العسكر الحموي وكان المسلم إلي منه عجلة واحدة لأني كنت إذ ذاك أمير عشرة وكان مسيرنا بالعجل في أواخر فصل الشتاء فاتفق وقوع الأمطار والثلوج علينا بين حصن الأكراد ودمشق فقاسينا من ذلك بسبب جر العجل وضعف البقر وموتها بسبب البرد شدة عظيمة وسرنا بسبب العجل من حصن الأكراد إلى عكا شهراً‏.‏

وذلك مسير نحو ثمانية أيام للخيل على العادة وكذلك أمر السلطان الملك الأشرف بجر المجانيـق الكبـار والصغـار مـا لـم يجتمع على غيرها وكان نزول العساكر الإسلامية عليها في أوائل جمادى الأولى من هذه السنة واشتد عليها القتال ولم يغلق الفرنج غالب أبوابها بل كانت مفتحة وهم يقاتلون فيها وكانت منزلة الحمويين برأس الميمنة على عادتهم فكنا على جانب البحر والبحر عن يميننا إذا واجهنا عكا وكان يحضر إلينا مراكب مقبية بالخشب الملبس جلود الجواميس وكانوا يرموننا بالنشاب والجروخ وكان القتال من قدامنا من جهة المدينة ومن جهة يميننا من البحر وأحضروا بطسة فيهـا منجنيـق يرمـي علينـا وعلـى خيمنـا مـن جهة البحر فكنا منه في شدة حتى اتفق في بعض الليالي هبوب رياح قوية فارتفع المركب وانحط بسبب الموج وانكسر المنجنيق الذي فيه بحيث أنه انحطم ولم ينصب بعد ذلك‏.‏

وخرج الفرنج في أثناء مدة الحصار بالليل وكبسوا العسكر وهزموا اليزكية واتصلوا إلى الخيام وتعلقـوا بالأطنـاب ووقـع منهـم فـارس فـي جورة مستراح بعض الأمراء فقتل هناك وتكاثرت عليهم العساكر فولى الفرنج منهزمين إلى البلد وقتل عسكر حماة عدة منهم فلما أصبح الصباح علق الملك المظفر صاحب حماة عدة من رؤوس الفرنج في رقاب خيلهم التي كسبها العسكر منهم وأحضر ذلك إلى السلطان الملك الأشرف واشتدت مضايقة العسكر لعكا حتى فتحها الله تعالى لهم في يوم المجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة بالسيف ولما هجمها المسلمون هرب جماعة من أهلها في المراكب وكان في داخل البلد عدة أبرجة عاصية بمنزلة قلاع دخلها عالم عظيـم من الفرنج وتحصنوا بها وقتل المسلمون وغنموا من عكا شيئاً يفوت الحصر من كثرته ثم استنـزل السلطـان جميـع مـن عصـى بالأبرجة ولم يتأخر منهم أحد فأمر بهم فضربت أعناقهم عن آخرهم حول عكا ثم أمر بمدينة عكا فهدمت إلى الأرض ودكت دكاً ومن عجائب الاتفاق‏.‏

أن الفرنج استولوا على عكا وأخذوها من صلاح الدين ظهر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة واستولوا على من بها من المسلمين ثم قتلوهم فقدر الله عـز وجـل فـي سابـق علمـه أنهـا تفتـح فـي هـذه السنـة فـي يـوم الجمعـة سابـع عشـر جمـادى الآخـرة علـى يد السلطان الملـك الأشـرف صلـاح الديـن فكـان فتوحهـا مثـل اليـوم الـذي ملكهـا الفرنـج فيـه وكذلك لقب السلطانين‏.‏

  ذكر فتوح عدة حصون ومدن

لما فتحت عكا ألقى الله تعالى الرعب في قلوب الفرنج الذين بساحل الشام فأخلوا صيدا وبيـروت وتسلمهـا الشجاعـي فـي أواخـر رجـب وكذلـك هرب أهل مدينة صور فأرسل السلطـان وتسلمهـا ثـم تسلـم عثليـث فـي مستهـل شعبان ثم تسلم أنطرطرس في خامس شعبان‏.‏

جميـع ذلـك فـي هـذه السنـة أعني سنة تسعين وستمائة‏.‏

واتفق لهذا السلطان من السعادة ما لم يتفق لغيره من فتح هذه البلاد العظيمة الحصينة بغير قتال ولا تعب وأمر بها فخربـت عـن آخرها وتكاملت بهذه الفتوحات جميع البلاد الساحلية الإسلامية وكان أمـراً لا يطمـع فيـه ولا يرام وتطهر الشام والسواحل من الفرنج بعد أن كانـوا قـد أشرفـوا علـى أخـذ الديـار المصريـة وعلى ملك دمشق وغيرها من الشام فلله الحمد والمنة على ذلك ولما تكاملت هذه الفتوحات العظيمة رحل السلطان الملك الأشرف ودخل دمشق وأقام مدة ثم عاد إلى الديار المصرية وفيها لما كان السلطان محاصر لعكا سعى علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص بين السلطان وبين حسام الدين نائب السطنة بدمشق فخاف حسام الدين لاجين وقصد أن يهرب وعلم به السلطان فقبض عليه وعلى أبي خرص وقيدهما وأرسلهما فحبسا‏.‏

وفيها ولى السلطان علم الدين سنجر الشجاعي نيابة السلطنة بالشـام موضـع حسـام الديـن لاجين‏.‏

وفيها في ربيع الأول مات أرغون ملك التتر بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان وكانت مدة مملكته نحو سبع سنين ولما مات ملك بعده أخوه كيختو بن أبغا وخلف أرغون ولدين هما فازان وخربندا وكانا بخراسان ولما تولى كيختو أفحش في الفسق واللواط بأبناء المغل فأبغضوه على ذلك وفسدت نياتهم فيه‏.‏

وفيهـا قتـل تلابغـا بن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشي خان بن جنكزخان وقد تقدم ذكر ملكه في سنة ست وثمانين وستمائة قتله نغية وجلس بعده في الملك طقطغا بن منكوتمر بن طغان أخو تلابغا المذكور ورتب نغية إخوة طقطغا معه وهم برلك وصراي بغا وتدان وفي أوائل هذه السنة أعني سنة تسعيـن وستمائـة تكملـت عمـارة قلعـة حلـب وكـان قـد شـرع قراسنقـر فـي عمارتهـا فـي أيـام السلطـان الملـك المنصـور فتمـت فـي أيـام الملـك الأشرف فكتب عليها اسمه وكان قد خربها هولاكو لما استولى على حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة فكان لبثها على التخريب نحو ثلاث وثلاثين سنة بالتقريب‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة

ذكر فتوح قلعة الروم في هذه السنة سار السلطان الملك الأشـرف مـن مصـر إلـى الشـام وجمـع عساكـره المصريـة والشامية وسار الملك المظفر محمود وعمه الملك الأفضل إلى خدمته والتقياه بدمشق وسارا في خدمته وسبقاه إلى حماة فاهتم الملك المظفـر صاحـب حمـاة فـي أمـر الضيافـة والإقامـة والتقدمة ووصل السلطان إلى حماة وضرب دهليزه في شماليها عند ساقية سلمية ومد له الملك المظفر سماطاً عظيماً بالميدان ونصب خيماً تليق بنزول السلطان فنزل السلطان الملك الأشـرف بالميـدان وبسـط بيـن يـدي فرسـه عـدة كثيـرة مـن الشقـق الفاخرة ثم دخل السلطان إلى دار الملك المظفر بحماة فبسط الملك المظفر بين يدي فرسه بسطاً ثانياً وقعد السلطان بالدار ثم دخل الحمام وخرج وجلس على جانب العاصي ثم راح إلى الطيارة التي على سور باب النقفي المعروفة بالطيارة الحمراء فقعـد فيهـا ثـم توجـه مـن حمـاة وصاحـب حمـاة وعمـه فـي خدمته إلى المشهد ثم إلى الحمام والزرقا بالبرية فصاد شيئاً كثيراً من الغزلان وحمير الوحش وأمـا العساكـر فسـارت علـى السكـة إلـى حلـب ثـم وصل السلطان إلى حلب وتوجه منها إلى قلعة الروم ونازلها في العشر الأول من جمادى الآخرة من هذه السنـة وهـي حصـن علـى جانـب الفرات في غاية الحصانة ونصب عليه المجانيق وهذا الحصار أيضاً من جملة الحصارات التي شاهدتها وكانت منزلة الحمويين على رأس الجبل المطل علـى القلعـة مـن شرقهـا كنـا نشاهـد أحوال أهلها في مشيهم وسعيهم فـي القتـال وغيـر ذلـك واشتـدت مضايقتهـا ودام حصارهـا وفتحت بالسيف في يوم السبـت حـادي عشـر رجـب مـن هـذه السنـة وقتـل أهلهـا ونهـب ذراريهم واعتصم كينا غيلو خليفة الأرمن المقيم بها في القلة وكذلك اجتمع بها من هرب من القلعة وكان منجنيق الحمويين على رأس جبل المطل على القلة فتقـدم مرسـوم السلطـان إلـى صاحب حماة أن يرمي عليهم بالمنجنيق فلما وترناه لنرمي عليهم طلبوا الأمـان مـن السلطـان فلم يؤمنهم إلا على أرواحهم خاصة وأن يكونوا أسرى فأجابوا إلى ذلك وأخذ كينا غيلوس وجميع من كان بقلة القلعة أسرى عن آخرهم ورتب السلطان علم الدين سنجر الشجاعي لتحصين القلعة وإصلاح ما خرب منها وجرد معه لذلك جماعة من العسكر وأقام الشجاعي وعمرها وحضنها إلى الغاية القصوى ورجع السلطان إلى حلب ثم إلى حماة وقام الملك المظفر بوظائف خدمته ثم توجه السلطان إلى دمشق وأعطـى الملـك المظفـر الدستـور فأقـام ببلـده وسار السلطان إلى دمشق وصام بها رمضان وعيد بها ثم سار إلى الديار المصرية‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث فيها هرب حسام الدين لاجيـن الـذي كـان نائبـاً بالشـام مـن دمشـق لمـا وصـل السلطـان إلـى دمشق عائداً من قلعة الروم وكان حسام الدين المذكور قد اعتقله السلطان وهو نازل على حصـار عكـا ثـم أفـرج عنـه في أوائل هذه السنة أعني سنة إحدى وتسعين وسار مع السلطان إلى قلعة الروم وعاد معه إلى دمشق فلما وصل إليها استوحش من السلطان وهرب منه إلى جهة الغرب فقبضوه وأحضروه إلى السلطان فبعث به إلى قلعة الجبل بديار مصر فحبس بها‏.‏

وفيها استناب السلطان بدمشق عز الدين أيبك الحموي وعزل علم الدين سنجر الشجاعي‏.‏

وفيها عند عود السلطان إلى حلب من قلعة الروم عزل قراسنقر المنصوري عن نيابة السلطنة بحلب واستصحبـه معـه وولـى موضعـه علـى حلـب سيـف الديـن بلبـان المعـروف بالطباخـي وكان المذكور نائباً بالفتوحات وكان مقامه بحصن الأكراد فعزله وولاه موضع قراسنقر في نيابة السلطنة بحلب وولى الفتوحات والحصون طغريل الإيغاني موضع الطباخي ثم عزله بعد مدة وولى موضعه عز الدين أيبك الخزندار المنصوري‏.‏

وفيها بعد وصول السلطان إلى مصر قبض على شمس الدين سنقر الأشقر وجرمك وكان قد قبض على طقصو بدمشق وكان آخر العهد بهم‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين وستمائة

ذكر إحضار صاحب حماة البريد إلى مصر وعمه علي البريد إلى مصر ثم مسيرهما من مصر مع السلطان الملك الأشرف إلى الشام والقبض على أولاد عيسى‏:‏ وفي هذه السنة في جمادى الأولى أرسل السلطان الملك الأشرف وأحضر الملك المظفر محمود صاحب حماة وعمه الملـك الأفضـل علـي علـى البريـد إلـى الديـار المصريـة فتوجهـا مـن حمـاة وعندهما الخوف بسبب طلبهما على البريـد ووصـلا إلـى قلعـة الجبـل فـي اليـوم الثامـن مـن خروجهما من حماة فحال وصولهما شملتهما صدقات السلطان وأمر بهما فأدخلا الحمام بقلعة الجبل وأنعم عليهما بملبوس يليق بهما وأقاما في الخدمة أياماً‏.‏

ثم خرج السلطان على الهجن إلى جهة الكرك وسـارت العساكـر علـى الطريـق إلـى دمشـق وأركب صاحب حماة وعمه الهجن صحجته لأنهما حضرا إلى مصر على البريد ولـم يكـن معهما خيل ولا غلمان فرسم السلطان لهمـا مـا يليـق بهمـا مـن الهجـن والغلمـان ورتـب لهمـا المأكول والمشروب وما يحتاجان إليه وسارا في خدمته إلى الكرك ولاقتهما تقادمهما إلى بركة زيزا فقدماها وقبلها السلطان وأنعم عليهما وسار السلطان ودخل دمشق‏.‏

ثم سار السلطان من دمشق على البرية متصيداً ووصل إلى الفرقلس وهو جفار في طرف بلد حمص من الشرق ونزل عليه وحضر إلى الخدمة هناك مهنا بن عيسى أمير العرب وأخواه محمد وفضل وولده موسى بن مهنا فقبض السلطان على الجميع وأرسلهم إلى مصر فحبسوا في قلعة الجبل ووصل السلطان إلى القصب وأعطى صاحب حماة الدستور فحضر إلى بلده وأما عمه الملك الأفضل فإنه كان قد حصل له تشويش لما كان السلطان بحنيجل وما حواليها فأعطـاه السلطـان الدستـور وأرسـل والدي الملك الأفضل المذكور تقدمة ثانية معي إلى السلطان ولم يقدر والدي على الحضور بسبب مرضه فأحضرت التقدمة إلى السلطان الملك الأشرف وهو نازل على القصب فقبلها وارتحل وعاد إلى مصر فوصل إليها في رجب من هذه السنة‏.‏

ذكر مسير العساكر إلى حلب وفى هذه السنة بعد وصول السلطان إلى مصر كان قد أخر بعض العسكر المصري على حمـص فتقـدم إليهـم وإلى صاحب حماة وعمه الملك الأفضل بالمسير إلى حلب والمقام بها لما في ذلك من إرهاب العدو فسارت العساكر إليها وخرج الملك المظفر محمود صاحب حماة وعمه الملك الأفضل معهم من حماة يوم الجمعة الخامس والعشريـن مـن شعبـان هـذه السنـة ودخلـوا حلب يوم الثلاثاء التاسع من سلخ شعبان إلى أوائل ذي القعدة دخل تشرين وآن وقت الصيد وصل مرسوم‏.‏

ذكر مسير الملك الأفضل إلى دمشق ووفاته بها وفي هذه السنة في ذي القعدة سار والدي الملك الأفضل نور الدين علي ابن الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب من حلب إلى دمشق وتوفي بها في أوائل ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة اثنتين وتسعين وستمائة وكان مولده في أواخر سنة خمس وثلاثين وستمائة‏.‏

وكـان سبب مسير الملك الأفضل إلى دمشق أنه لما كان هو والملك المظفر في صحبة السلطان لما سار من مصر إلى الكرك في أوائل هذه السنة حسبما ذكرناه صار السلطان ينفرد للصيد بفهوده ولا يستصحب معه إلا بعض من يختاره من الخاصكية ووالدي الملك الأفضل المذكـور خاصة دون ابن أخيه صاحب حماة وأعجب السلطان حديث الملك الأفضل المذكور وخبرته بأمر الفهود والصيد فقال السلطان في تلك الأيام للملك الأفضل المذكور‏:‏ يا علاء الدين ما تحضـر إلـى ديـار مصـر فـي أيـام الصيـد لتكـون معـي فـي صيودي فقد حصل الأنس بك فقبل الملك الأفضل الأرض ودعى للسلطان على تأهيله لذلك فلما سـار الملـك المظفـر محمـود صاحـب حماة وعمه الملك الأفضل إلى حلب وأقاما بها من سلخ شعبان إلى أوائل ذي القعدة ودخل تشرين وآن وقت الصيد وصل مرسوم السلطان إلى والدي الملك الأفضل يطلبه إلى الأبواب الشريفة بالديار المصرية فسار الملك الأفضل من حلب في ذي القعدة ولم يستصحب أحداً من أولاده معه وكنا ثلاثة مجردين مع ابن عمنا الملك المظفر صاحب حمـاة وتوجـه والدنـا بمفـرده فمـرض فـي أثنـاء الطريـق ووصل إلى دمشق وقد اشتد به المرض وفصد فضعفت قوته واشتد المرض به حتى توفي ونقل إلى حماة ودفن بها ووصلنا الخبر ونحن بحلب فعملنا عزاه واشتمل الملك المظفر علينا وأحسن إلينا‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث فـي هـذه السنـة أفـرج السلطـان الملك الأشرف عن بدر الدين البيسري وكان له في الاعتقال نحو ثلـاث عشـرة سنـة‏.‏

وفيها أفرج عن حسام الدين لاجين المنصوري الذي كان نائباً بالشام‏.‏

وفيها أعطيت العساكر الدستور فعدنا إلى حماة وأعطانـي الملـك المظفـر ابـن عمـي إمـرة طبلخانـاه وأربعين فارساً‏.‏